تقع خلاقة في الوقت الحاضر,حسب التقسيم الإداري, في مديرية الحد, بمحافظة لحج. وهي تعد ثاني أكبر بَلْدَة في يافع بعد بني بكر المجاورة. ويعود نسب خلاقة إلى خزاعة, كما تتداول الروايات المتناقلة, وكما تؤكد ذلك الأشعار الشعبية, التي تعتبر من المصادر التاريخية المفيدة, منها على سبيل المثال قصيدة قديمة تعود إلى ما قبل مائة عام ونيف أرسلها الشاعر أحمد أبوبكر بن سنان البكري , رداً على قصيدة للشاعر عوض محمد الحلسي الخلاقي, يقول فيها:
يا عازم الصبح من عندي ومُزّ الرَّحيله ****** في مُهر حمزي قديل
من رأس قريه مَنَعْهَا بالمسُوخ الدَّويل ****** قرية قريش الأصيل
مأواك قريه بها الرَّييس ما حد مثيله ****** مَخْشَبْ وله عَظْم فِيْل
قرية خلاقه بني مَخْلق خُزَاعي أصيله ****** ما يبخلوا عالدخيل
وإذا توغلنا في التاريخ فأن بلدة خلاقة موغلة في القِدَمْ , ويدل موقعها القديم الذي كان يتوسط بين بني بكر والفردة والواقع في بقايا خربة قديمة بجانب مسجد النبي إيوب, الذي تعرض للتهديم على أيدي متطرفين دينيين قبل عدة سنوات, يدل على أنها كانت قائمة قبل الإسلام, ويؤكد ذلك وجود مقبرة قديمة مجاورة للموقع والمسجد هناك اتجاه قبورها نحو بيت المقدس. كما توجد خرائب قديمة يروي كبار السن أنها أطلال خلاقة القديمة في مرتفع يقال له (العَريف) ويطل على وادي شمض ووادي لخشاب, ولا أحد يعرف على وجه الدقة متى انتقلت البلدة إلى موقعها الحالي. غير أن المباني والحصون القديمة التي لا زالت بقاياها قائمة وكذلك مدافن الحبوب المنحوتة في بطون الجبل الصخري والمساجد القديمة والمقابر المندثرة جميعها تؤكد أن موقع خلاقة الحالي يعود لمرحلة ما بعد الإسلام, بل أن الجامع القديم يرجع بناؤه حسب روايات كبار السن المتداولة إلى القرون الأولى للإسلام.
وقد جاء في كتاب (تاريخ الدولة الطاهرية) لمؤلفه محمد أحمد مقبل الفيصلي أن الملك الظافر عامر بن عبدالوهاب, أعظم ملوك الدولة الطاهرية, قد اتخذ من بلدة خلاقة في يافع مقراً إقامة له فبعد أن علم بتوجه جيش المماليك إلى عاصمة دولته في (المِقرانة) بقيادة "برسباي الغوري" سار الملك الظافر إلى المقرانة مبادراً فدخلها قبل أن يدخلها جيش المماليك وأخذ نسائه وما خف حمله من ذخائر وأموال إلى بعض الحصون المنيعة في المنطقة وتوجه إلى خلاقة, وعندما بلغه إلى مقر إقامته في خلاقة نبأ مقتل (برسباي) على يد أنصاره أخذ يحدوه الأمل في النصر على جيش المماليك الغازي وجمع قوات من بلاد يافع وجُبن والمقرانة وغيرها وتوجه لمهاجمة المماليك ودارت معهم حرب شرسة قرب صنعاء استشهد فيها الملك الظافر سنة 930هجرية.
تقع بلدة خلاقة في هضبة جبلية , هي امتداد لهضبة الحد (العناق) وبني بكر وتضيق الهضبة تدريجياً كلما اتجهنا غرباً حيث تظهر أطراف هضبة خلاقة الغربية وكأنها مقدمة سفينة تحيط بها من طرفي مقدمتها سيلة وادي حطيب وسيلة حَمَرْ خلاقة الذي يستوطن في طرفه الذي يلتقي بوادي حطيب آل غلاب من خلاقة, وقد جرت العادة أن يسكنوا ستة أشهر - فصل الصيف - في خلاقة وستة أشهر - فصل الشتاء- في حطيب. يقول شاعر خلاقة المرحوم محمد سالم المحبوش (توفي عام 1952م) من قصيدة له أرسلها إلى شيخ جُبَن:
و انا عامد جبل عالي مُحَزقل ****** خلاقة مسكني خيرة قبيله
لها عاقل وتُبْعَه شور مُجْمَل ****** متى قالوا بلاء تقبل سليله
ومثل أي شاعر يفخر بمسقط رأسه فأن المحبوش يرى خلاقة أحسن من قصر سام وقصور الشام مجتمعه فيقول وهو الشاعر الأمي:
قرية خلاقة ثَمَنْهَا خير من قصر بالشام ****** وخير من قصر سام
هي مسقط الرأس أرض الجَدْ لوَّل ولَعْمَام ****** جَبَر متى الشر قام
وفي كتابه (في شرق اليمن- يافع) فأن صلاح البكري قد أورد صور نادرة لخلاقة القديمة في مطلع الخمسينات من القرن الماضي وكانت تتركز معظم بيوتها في مرتفع جبلي صخري يُسمى (القفلة) وكانت حينها أشبه بالقلعة المنيعة والدخول إليها كان محدداً عبر ثلاث بوابات فقط تغلق عند المساء وتُفتح في الصباح الباكر. وقد وصف صلاح البكري كيف استقبله أهلها بحفاوة بالغة, حيث كان في استقباله حوالي ثلاثمائة مسلح أطلقوا مئات الأعيرة النارية ترحيباً به وذكر على رأسهم الشيخ المرحوم محمد علي الخلاقي وهو قاضي خلاقة, وقال عنه بأنه من أطيب الناس نفساً وأصفاهم قلباً.ومنذ ذلك الحين فقد تضاعفت أعداد مبانيها وسكانها عدة مرات, وانتشرت في محيط (القفلة) القديمة الأحياء الجديدة التي أصبحت لها مسمياتها الخاصة, وتمتد البيوت الجديدة الآخذة في التوسع إلى أطراف خلاقة المطلة على وادي حطيب وإلى القرن ووادي نير وإلى أطراف وادي شمض والحيد الأسود المطل على الفردة, كما اتصلت بقرية حلبد وما يزال التوسع العمراني جارياً بصورة حثيثة. ويبلغ عدد سكان خلاقة حالياً أكثر من ستة آلاف شخص, وربع هذا العدد تقريباً ينتشرون في أصقاع الأرض في المهاجر المختلفة, وبدرجة رئيسية في دول الخليج العربي, خاصة البحرين وقطر والسعودية, وكذا في الولايات المتحدة الأمريكية, كما ينتشرون في عدن وصنعاء وغيرها من المدن اليمنية حيث يقيم كثير منهم مع أسرهم ويمارسون مختلف المهن والأعمال. وفي خلاقة في الوقت الحاضر مدرسة متكاملة للتعليم الأساسي يدرس الأولاد فيها صباحاً والفتيات بعد الظهر, وفيها سوق تجارية بجانب المدرسة ووحدة صحية, فضلاً عن الدكاكين العديدة المنتشرة في الأحياء, وفيها العديد من المساجد القديمة والحديثة, منها أربعة مساجد بمآذن تعانق السماء, أشهرها مأذنة (مسجد الجبانة). ومن الجدير بالذكر أن خلاقة قد دخلت إليها الكهرباء الأهلية في نهاية السبعينات من القرن الماضي بتعاون أهلها, ولا تزال معتمدة على مشروعها الأهلي حتى يأتي مشروع الربط الكهربائي الذي تنتظره يافع على أحر من الجمر. كما أن حي (آل غلاب) في خلاقة قد انتظم فيه الصرف الصحي قبل أكثر من عشر سنوات بمبادرة من المرحوم طيب الذكر حسين عباد شميم الخلاقي,وهي تجربة ناجحة تعد الأولى على مستوى يافع, وكم نتمنى أن يشمل ذلك النظام بقية أحياء خلاقة, بل وكل التجمعات السكانية الكبيرة في يافع عامة. ومن أشهر أودية خلاقة: الحِجْلِهْ, شَمْضْ, ثُمِّدِهْ, نِجَام, الخَرقاء, نَيْر, لَخْشَاب, حَبْلَهْ, فدَّهْ, نَمِرَه, صَوْآر, حِلْبِدْ..الخ.
وقد مثلت خلاقة حتى عشية الاستقلال الوطني عام 1967م, مجتمعاً منغلقاً متكاملاً يعتمد على مصادره الذاتية المعتمدة على زراعة الحبوب كالذرة والشعير والبر والدخن والخضروات بأنواعها والبن والورس والترنج والقرانيط وغيرها من المزروعات ورعي الأغنام والاحتطاب. وكان تقسيم العمل بين سكانها قائماً, فإلى جانب القبائل ملاك الأرض الزراعية والمرتبطين بحراثتها وزراعتها فضلاً عن دورهم كمقاتلين متأهبين دائماً للدفاع عن حياض القبيلة ومصالحها, نجد هناك القضاة وكانت مهمتهم إبرام عقود النكاح وتوثيق عقود البيع والشراء للأرض وتعليم الأطفال قراءة القرآن, وكذا الفئات الأخرى التي كانت تمارس مختلف المهن التي يحتاج إليها المجتمع القبلي كالنجارة والحياكة والحدادة وصناعة الفخار والأعمال الخدمية الأخرى والتي كانت حكراً على فئة (الشحذ) فهم يحييون الأفراح في الزواج والأعياد ويقومون بختانة الأطفال وغير ذلك, ولم يكن المجتمع يحتاج لأي خدمة من خارجه, باستثناء حرفة البناء التي يمارسها (آل بن صلاح) معالمة البناء الشهيرين في يافع.
تدخل خلاقة من الناحية القبلية ضمن قوام مكتب الموسطة, وهي أحد مكاتب يافع بني مالك (يافع العليا) الخمسة. وقد أورد المؤرخ حمزة علي لقمان اسم خلاقة ونسبها الخزاعي في كتابه"تاريخ القبائل اليمنية" ضمن الربع الأول من أرباع الموسطة, الذي حدده في صفحة (206) من كتابه على النحو التالي:-
الربع الأول: ويتكون من الخُلاقي والعَلَسي والرَّيوي والقُعيطي.
1.الخُلاقي وأهم قراهم خُلاقة ويقال أنهم من قبائل خُزاعة.
2.العَلَسي وأهم قراهم صانب، حُقبة, الحصن, وادي حِيْق, ذروة.
3.الرَّيوي وأهم قراهم الحصن, ذي الأخداد, أهل عامر وأهل أحمد وأهل خُضير في لَحْمَر والصُلابة والمرباضة وصَنَابح.
4.القعيطي: وهم ينقسمون إلى فرعين محُمّدي وأحمدي وقد أورد أسماء قراهم ومساكنهم العديدة.
يحد خلاقة من الشمال ريو وسيلة حَمَرْ, ومن الجنوب وادي حطيب, ومن الغرب سيلة حممر خلاقة وسيلة حطيب ومن الشرق بني بكر والفردة وتكاد إمتدادات المسافة بين هذه الثلاث القرى المتجاورة أن تعطي شكل المثلث, وتجمع بينها في الأطراف الأودية ومصادر المياه والمراعي, وهو ما جعل هذه القرى الثلاث المتجاورة( بني بكر, خلاقة, الفردة) تدخل في حروب وفتن قبلية كل واحدة مع الأخرى في فترات متفاوتة, وكذا الحال بين ريو وخلاقة, كما كان الحال في يافع عامة عندما كان الناس يعتمدون على مصادرهم المحلية في مأكلهم وملبسهم وفي كافة شئون حياتهم. وقد كان آباؤنا وأجدادنا يمقتون تلك الفتن والحروب القبلية التي فرضتها عليهم الظروف الصعبة التي عاشوها, وهذا ما نجده في أشعارهم, فالشاعر المرحوم عوض محمد الحلسي الخلاقي في قصيدة جوابية أرسلها لصديقه الشاعر أحمد أبوبكر بن سنان البكري أثناء فتنة كان يتخللها صلح أوهدنة أثناء الأعياد, يصف الفتنة بالجذنة , كما في قوله:
وقل لهم ما الفتنه * رعها من الله محنه
ما مثلها الاَّ الجذنه * متى قسمها الوشّار
وأتذكر بالمناسبة أبيات تذم الفتنة وردت في قصيدة بدع من الشاعر الشيخ أحمد محسن الوحيري أرسلها للشاعر سالم عبدالله البكري أثناء فتنة انقسمت فيها لبعوس إلى نصفين, الهجر وآل ذي حور طرف, وآل عَمْر وسِيَلْ لبعوس طرف آخر ولأن بيت البكري قريب من بيوت آل عمر فقد كان نقطة تجمع للمناوبين" الرُّتبة". وهاهو الشيخ الوحيري يذم هذه الفتنة ورمزها النوبه التي كان يتناوب فيها المتقاتلون يترصد بعضهم لبعض, فقال:
لا اتْنَشَّدَكْ من لَخْبَار *** قل بيتكم يشعل نار *** طول العشي والإبكار *** مُلَصِّي الذباله
وناولوكم كُرْبَهْ *** تمسي وتصبُح رُتبه *** كِنَّك رجعت السُبَّهْ *** تَقَبَّل الحَوَاله
لا رَدَّشْ الله نُوبه *** خَذتي أربعه مَنْدُوبه***وغارتش مسحوبه*** يا مَرْوَحْ الكَمَاله
يا ليت ساسش يخرَبْ *** والاَّ تشلّش لَزْيَبْ*** يا سَاحره يا مَذْيَبْ*** تستاهلي جلجاله
ولشاعر خلاقة الفحل المرحوم محمد سالم المحبوش الخلاقي, أبيات تمنى فيها أن تتعذر الفتن القبيلة وينعدم الملح والكبريت والرصاص وهي أدوات الحرب التي كانت تصنع محليا, كما في قوله:
يا القبيله يا ريت مِنِّشْ معذره *** والملح والكبريت يعدم والرصاص
لكن ألَبْ محجا الوصر والعِرْيَبَهْ *** والحَيْد لحمر ذي مَسِيْرَه لا حُبَاس
ولكن هيهات أن يتحقق حلم الشاعر حينها والمتاريس قائمة في بين الطرفين في محجا الوصر والعِرْيَبَه وغيرها, ورغم تلك الفتن التي كانت قائمة بين حين وآخر فأنها كانت تختلف عن الفتن القبلية الهوجاء التي نراها اليوم في أكثر من منطقة من بلادنا. وهاكم شهادة المؤرخ صلاح البكري الذي زار يافع سنة 1373هـ /1953م, كما وردت في كتابه ( في شرق اليمن – يافع)حيث يصف الفتنة التي كانت قائمة حينها بين بني بكر وخلاقة بالشريفة والنزيهة حيث قال:"وبين بني بكر وخلاقة حرب طال أمدها, حرب شريفة نزيهة فليس هناك غدر ولا خيانة من أحد الفريقين فعندما يتقابل الفريقان ويقتتلان يعلنان الهدنة بعد حين فيأخذ كل منهما قتلاه أو جرحاه من الميدان دون أن يعتدي أحدهما على الآخر. وقد يقوم صلح بين الفريقين , وفي أثناء الصلح يزور كل منهما الآخر كأن لم يحدث شيء بينهما. وكثيراً ما يذهب رجالات خلاقة إلى بني بكر لطلب مَدّ الصُلح والهدنة فيحتفي بهم بنوبكر ويقبلون طلبهم. ولقد رأيت – والباقي من الصلح شهران- أن أعقد صُلحاً بين الفريقين. لذلك جمعت الشخصيات البارزة من بني بكر في دار آل عزالدين ووفقت لعقد صلح بين الفريقين يبدأ من أول صفر سنة 1374هـ وينتهي في آخر محرم سنة 1374هـ". انتهى كلام المؤرخ صلاح البكري.
وتنقسم خلاقة إلى ثلاث فخيذ هي آل جُودي وآل زُكير وآل عَكِرْ وتتكون كل فخيذة من عدة عصيب وشيخ القرية أو (العاقل) هو الشيخ يحيى محمد قاسم الخلاقي. وقد حظي سلف والده الشيخ يحيى محمد الخلاقي بشهرة واسعة في يافع ومحيطها لشجاعته وذكائه, ونذكر هنا بموقفه مع الموسطة في حرب نعوة التي جرت عام 1906م بين قيفة ويافع – الموسطة وفرضتها الأعراف القبلية حينها, في نجدة المظلوم وإغاثته والوقوف إلى جانبه. فقد جرت تلك الحرب في (نعوة) بين الموسطة –يافع والشيخ الذهب, بسبب امرأة استجارت (متعروية) لدى الموسطة – يافع في عهد الشيخ علي عسكر النقيب وأخيه محسن بن عسكر من ظلم أحاق بها تمثل باغتصاب ملك وممتلكات والدها من قبل شيخ قيفة ونعوة وقتئذ, فبدأت أولاً المفاوضات معه حسب الأعراف القبلية حيث أوكل الشيخ النقيب مهمة التفاوض للشيخ يحيى محمد الخلاقي الذي عُرف بدهائه وشجاعته, وبعد أن رأى تعنت الطرف الآخر وأن لا جدوى من التفاوض معه قال الزامل التالي يحذر من عواقب التعنت:
قال الخلاقي جيت عاني معتني *** با نبهك ما دام يافع بالبيوت
يا نعوه استقدي لبن عسكر علي *** والاَّ تقاديش الميازر والهروت
فرد شاعر قيفة بزامل مماثل يبدي عدم تخوفه من التهديد واستعداده للحرب:
يا نعوة الغراء ترزّي واحربي لمَّا الخلاقي *** يطعمش حالي وقير
ما شي عسل من ذي جناه الحرَّبي *** معنا الجنابي مُقشطة وسط الجفير
وبعد فشل المفاوضات التي استمرت لأشهر, غارت يافع – الموسطة وأعادت الحق لأهله وفق الأعراف القبلية وقدمت عدداً من القتلى لنجدة امرأة استغاثت بها،ومن بين القتلى الشيخ حسين محمد الخلاقي شقيق شيخ خلاقة, وبعد المعركة قال الشاعر الشيخ يحيى محمد الخلاقي:
نعوه تودَّه وأهلها كُلاً شرد والحرب ظلّى بالشوارع والبيوت
ظلّى سفيخ الهرتيه مثل البرد *** من ما حضر يا حسرته لمَّا يموت
ويقول شاعر قيفه بعد الهزيمة:
يا نعوة اكفي ما على الجودة علَم *** ولعَاد تشفي كل من قلبه وجيع
لا انتي تنجستي تطهرتي بدم *** من دم يافع ذي تحامي عالربيع
في وصف الشيخ المرحوم يحيى محمد الخلاقي يقول الشاعر المرحوم محمد علوي أحمد الفردي في قصيدة مرسلة إلى خلاقة أثناء الفتنة بين خلاقة والفردة:
يحيى محمد كان بُوطا القبيله *** يحيى محمد كان بالدنيا صَلِيْح
يحيى زمان الصَّح عَبَّر واصْتَلَح *** لا قال با يِحْجِر ولا قال آيِبِيْح
كان ابْيِمَثلنا ومثَّل تبعته *** لو عاد يحيى كان ما الدنيا تطيح
ومن قصيدة للشاعر الشيخ راجح هيثم بن سبعة شيخ مكتب يهر أرسلها لصديقه الشاعر محمد سالم المحبوش الخلاقي يقول الشيخ راجح في وصف خلاقة وشيخها المحنك المرحوم يحيى محمد:
وقم يا رسول الخط من حيث بَوْجَدي *** وتهرش بخطي بالحيود المُسَنَّدَه
ومأواك لا قريه بها النار توقدي *** خلاقه عمود الموسطه ذي تزَهَّدَه
بها كَمَّن أحمر عين لا حَنْ راعدي *** ومن مثلهم يا ريت والأم زيَّدَه
وبلّغ سلامي الشيخ يحيى محمدي *** وكذَاب لا حد قال ذا العاقل أنقده
وخُصَّهْ سلامي عالعصيب المُوَحَّدِي *** زُكَيْرِي وجُودي وأهل لَعْكُور عدده
وقُل قال بن هيثم رعُوكُم سواعدي *** وأنا ما وهَدْ قلبي وقالوا تفَقَدَهْ
ولا ما وصلناكم بوقت الشدائدي *** فوقت العوافي نعل أبو الأخ لا ابرَدَهْ
وفي وقت لاحق نجد شيخ الموسطة المرحوم بوبك علي عسكر النقيب يفخر بقرية خلاقة ومواقف رجالاتها حيث يقول في قصيدة جواب أرسلها للمحبوش:
ثم قال بن عسكر علي حيَّا بذي لَيْنَا وَفَدْ
في خط جاني من خُلاقه واعترف من ذي نشد
وقلت له يا مرحبا في عطر ماوردي وند
قم يا معنَّى شل خطِّي وانته اعزم عالشَّدَدْ
من مَطْرَحْ القُدْمَهْ زمام الموسطه مثل الرَّفد
ومروحك قرية خُلاقه مثلها ما با يجَدْ
الله يحرسها من العدوان واسْقاها ومَدْ
هُمْ سيفي القاطع نهار الدَّم سقوا به عدد
ما هُو كما من قال انا بالداخليه واحتَفَدْ
سلام مثل السيل يشمل حدّكم سَبْحَهْ ورَدْ
يا ساعدي ليمن ويا ثوبي متى جسمي بَرَدْ
راسي بكُمْ ينزاد ذي عَلْمَاتكم في كُلْ حَدْ
وفي التذكير بأحداث نعوة, فأن شاعر خلاقة المرحوم محمد سالم المحبوش في قصيدة جواب أرسلها للشاعر المرحوم علوي صالح الحمري, يفاخراً بقومه وبشجاعة الآباء في تلك الأحداث يقول:
و انا بعدي رجال الموت لَبْرَمْ *** صحاح المخ من خشم اللثامي
بَنِي مَخْلَقْ متى لا الجرح وَرَّمْ *** يسُوا للخصم كِسَّار العظامي
وكم من جيد ما روَّح ملطم *** قَوَدْ مربوط بامتان الخطامي
غزينا بالسلب لا دار تِنْحَمْ *** نهار اصبح به المِسْرَاح دامي
عمود الموسطه كَمَّن مرسم *** وهو جيش الرَّفد قاد الزمامي
وقد وضَّف الشاعر الكبير المرحوم شائف محمد الخالدي نتائج تلك الأحداث في قصيدة جوابية عام 1983م يفند فيها ادّعاءات الشاعر يحيى قاسم علي النعوي ويوضح الحقائق المعروفة, فقال الخالدي :
ذكَّرتني دار تنحم بعد ما اتهظَّم *** واستاقت أهله على لوجاه والدرشوم
يمكن عمرتوه تالي بعد ما اتهدَّم *** وبعد ما أمست بتلعب في رباه البوم
من ذي حسب لك على الهامش ومن نجَّم *** زيَّف لك الكذب واجلب لك تعب وهموم
ما بعد قالوا خُلاقي فلَّت المَحْزَمْ *** أو معركه قد خرج من عكرها مهزوم
ما زال راكب على ظهر الفرس لدهم *** ذي كان به يفتخر فارس بني مخزوم
اسأل كم اغتال من نعوه وكم خطَّم *** وكم محاجي لخصمه بالدماء مرسوم
والموسطه قد لها عادات ما تُهزم *** كمَّن مفدَّم تجيبه بالسره مخطوم
مهما تضحي على الناموس ما تندم *** ما قصدها الاَّ يروِّح خصمها مصدوم
ومن مشاهير خلاقة الشيخ عبدالله عاطف الخلاقي الذي كان من أشهر شيوخ الصوفية في يافع وقد كان له تأثيره الواضح في شعر صالح سند والأرجح إنه كان شيخه وتتلمذ صالح سند على يديه وتوجه إليه في عدد من قصائده، وفيها يعترف بعلمه وفضله وتقواه وذكر بعض كراماته التي يعتقد بها أتباعه, كما في قول صالح سند في إحدى قصائده التي توجه بها إلى شيخه:
وبعد يا مُرسلي شد السفر عاني *** وشل ذا الخط من ذي شرَّف اقواله
قرية خُلاقه وخُص الشيخ بالغالي *** بن عاطف الجيد ما حد ماثل امثاله
لا سار لا الهند والاّ لا خُريساني *** خَذْ بالطُرق يوم للسيره ترحاله
ويوم ثاني رجع وانّه بالأوطاني *** ولا يخابر تقول الناس ما قاله
كما ذكر المناضل محضار حسين بن حلموس في كتاب صدر عنه بعد وفاته أن الشيخ عبدالله عاطف الخلاقي كان يقيم حلقات دينية في معزبة بن حلموس, كما كان له أتباع في مناطق يافع وردفان وحالمين. وللشيخ عبدالله ضريح وقبة في مسجد (حال جودي) بخلاقة كان الناس يتقربون إليه بالنذور ويتبركون به إلى وقت قريب.
ومن الشعراء الشعبيين من خلاقة إلى جانب المحبوش والحلسي نذكر الشعراء المرحوم:عبدالله صالح عبدالقوي والشاعر المرحوم صالح أحمد سالم والشاعر المرحوم محمد سعيد بجاش والشاعر المرحوم سالم صالح دينيش والشاعر المرحوم عمر أحمد عبدالنبي, ومن الشعراء المعاصرين الشاعر الشاب صالح علوي الخلاقي وآخرين.
ويحقق أبناء خلاقة اليوم نجاحات ملحوظة في مجالات نشاطهم وعملهم, ونذكر من أبناء خلاقة -على سبيل المثال - رجل الأعمال عضو مجلس النواب عبدالله علي صالح الخلاقي, وفي المجال الأكاديمي نذكر الباحث والكاتب المعروف الدكتور علي صالح الخلاقي الذي يقوم بدور كبير في جمع وتوثيق وإصدار الموروث الشعبي والتاريخي ليافع وقد تجاوزت إصداراته في هذا المجال 13 إصداراً ولا زال يعكف في البحث والتنقيب والتدوين لتقديم المزيد من الأعمال الجديدة.